بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
سائلٌ يقول:
كيف اتعود على الصبر في طلبي للعلم ؟
الجواب:
التعود على الصبر على طلب العلم يكون بأمور, منها:
أولاً:
محبة العلم تجعلك تزداد محبة للعلم ولو حصل إجهاد في تحصيله, فإِنّ الناس يصبرون على دنيا, فتجد من يريدها يكدُ بعدها كدًا حتى يتحصل عليها, وهي زائلةٌ كما قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: 77]
وقال تعالى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى﴾ [الضحى:4]
وهذا دين الله أعظم ما تصرف فيه نفائس الأوقات وقرائح الحياة؛ هو علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فلا شيء في هذا الوجود أعظم من خدمة دين الله, ولا شيء في هذا الوجود أشرف من علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا استحضرت هذا الشأن علمت أَنَّ رتبة العلم دونها تنقطع أعناق المطي, رتبة أرفع من رتبة ملوك الدنيا, رتبة اختارها الله لأنبيائه ورسله, هي رتبة العلم الذي رفع الله أهله بقوله عز وجل: ﴿ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة:11]
فأهل العلم لهم رفعة الإيمان, ورفعة زائدة بالعلم درجات.
فباستحضار هذا ولفت النظر إلى أنك محتاجٌ أنت إلى العلم تعبد به ربك وتقيم به دينك وخلقك, وتنظر حاجة الأمة إلى من يبصرهم أمور دينهم, لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأحبه ما يجبه لأنفسه)), وبملاحظة فضيلة العلم وفضيلة بثه ونشره في أوساط الناس؛ بهذا بإذن الله عز وجل تجدُ حافِزًا عظيمًا على الاستمرار والصبر على طلب العلم بعد توفيق الله عز وجل.
واعلم أَنَّ الجنة حفت بالمكاره, كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : (( حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره )), أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا العلم طريق إلى الجنة لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة))
فالعلم مسهلٌ لطريق الجنة, وطريق الجنة محفوفة بالمكاره, وهو الذي من أجله عُودِي أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام, من المجرمين كما قال الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان:31]
فأعداء أنبياء الله ورسله هم المجرمون .
والعلم من أتى به كان وارثًا للأنبياء, يرث تركتهم فأنهم: ((لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا, ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )), وهذا الحديث ثابتٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويحصل له من الأذى ما حصل لهم على قدر إيمانه, فكما أنه وارثٌ لهم من التركة العلمية الخيرية وتحمل أعباء الأمة , أيضًا له قسطٌ مما يحصل لهم من الأذى, كما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم : لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عُودِى, وقال عليه الصلاة والسلام : ((أتتني رسالةٌ من ربي فضقت بها ذرعًا، وخفت أن يكذبني قومي، فقيل لي: لتفعلن أو ليفعلن بك)), وهذا الحديث صحيح عن مالك بن نضلة رضي الله عنه, قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة:67]
وقال الله عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾[المدثر:1-6] , بعد هذه التوجيهات الإلهية والأوامر الربانية؛ قال: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر:7]
وقال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [المزمل:10-13]
وقال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:65]
فأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام حصل لهم من الأذى, وهم أحباب الله, وهم أولياء الله, وهم صفوة الله من خلقه, ما سلموا من عِداء المجرمين ومن أذاهم.
ولو درست سيرتهم من كتاب الله عز وجل وصحيح سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, لك في ذلك غاية التسلية, ولك في ذلك أسوة, ولك في ذلك تصبيرٌ عظيم, ولك في ذلك خيرٌ كبير, دراسة سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
فهذه الطريق والله تحتاج إلى صبرٍ عظيم, والذي ما يصبر عليها يُخشى عليه أن ينقلب على عقبيه ــ أعني طريقك أيها المسلم إلى الله عز وجل وسيرك ــ, فأنت الآن في رحلة وفي سفرٍ إلى ربك, فإن لم يكن لك في سفرك زادٌ, يُخشى عليك من الانقطاع, وهذا الزاد أعظمه تقوى الله عز وجل, قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة:197]
ودليل تقوى الله عز وجل هو علمُ كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فبقدر ما يتلقى الإنسان العلم ويعمل به, يتقي ربه ويعطي المخلوق حقه.
فرائدُ كل خيرٍ وقائدُ كل خيرٍ ودافعُ كل شرٍ بإذن الله عز جل؛ هو فقهُ دين ِالله وهو علم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أبعد هذا أخي أتريد منقبة أعظم من هذا! و تراودك نفسك على أنك لا تصبر على العلم, حتى وإِنّ مُزِقَ من جسمك, كسرت بعض أعضائك, فهذا في الله ومن أجل نصرة دينه, ومن أجل العلم والسنة يسير.
فيبقى الخير و العلم و السنة, هو مطلب كل مؤمن.
إياك أيها الطالب أن يضعفك المجتمع بعد تسويلات الشيطان, قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:268]
فالشيطان يحاول جادًا في إضعاف نفس الإنسان وقواه.
محاولة زحزحة الخير والعلم, وتضخيم أهل الباطل!
وهم والله حقراء,
وهكذا تخويف الناس بهم ! وهم والله أذلاء,
قال الله عز وجل: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175]
فطاعة الله وخدمة دينه والنفاح عن تركة أنبيائه ورسله, مقدمٌ على لحومنا ودمائنا وأموالنا وأهلينا, قال الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:163]
وما خُلِقنا إلا لذلك, فهل خلقنا لخدمة أنفسنا وعبادة أنفسنا في المآكل والمشآرب والراحة فقط, فتلك أشياء جانبية وقد ضمنها الله لمن أطاعه بالعز, قال الله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ﴾ [الذاريات:58]
لا شئ والله أعظم في هذه الحياة الدنيا, وأريح للنفوس, وأهدى للبال,وأطمن للقلوب,وأدفع للفتن,وأجلب لخيري الدنيا والآخرة؛ من علم كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم.
وهؤلاء المجرمون الحوثيون كما ترون, ينقضّون على مثل هذا المكان.
ما هو القصد من وراء ذلك!!!
فو الله ما أخذنا أموالهم ولا نافسناهم على كراسي!!!
ولا اعتدينا عليهم ,
غير أننا نقول قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
وينبثق من هذا الدار المبارك, نور يشع في العالم, هذا إمام, وخطيب, وكاتب, ومدرس, وواعظ, ومعلم دين الله, لا يبتغي من وراء ذلك إلا مرضاة رب العالمين ونصرة دينه.
أفمثل هذا يُؤذى.
غير أنك تسلي نفسك بمثل هذا الحديث: لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ, و قال الله عز وجل: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:153]
إلا أنه تعترضه عوارض شاقة, إلا على من يسر الله وسهل الله له ذلك.
من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولاً وبالحق حقًا, وعلم أَنَّ الباطل باطلاً, فينصر الحق ويكسر الباطل بقدر ما أتاه الله من قدرة.
فجزى الله أهل السنة خيراً , وجزى الله القبائل الموالين للسنة وأنصار السنة خيراً, فجزاهم الله خيرًا في حماية السنة, كونهم يكونون لها نصرة .
وما أحسن ذلك العنوان الذي جعله إخواننا في وائلة وكتاف: (( حلف النصرة)).
نصرة دار الحديث بدماج,
نصرة المظلومين,
نصرة المبغى عليهم,
نصرة الدعاة إلى الله حفاظ القرآن,
حتى إِنَّ بعض زواملهم يقولون فيها:
هيا قوموا يا حشود *** هيا اسمعوا منا العهود
القصد من هذا أنهم جاؤوا من أجل الله, ما الذي جاء بهم, يستطيع أحدهم أن يجلس في بيته ويتواصل معنا ويقول: نسأل من الله أن ينصركم وأن يوفقكم ولكن منهم من ترك أهله وهم يبكون,
و منهم من ترك أطفاله وهم يبكون,
إلى أين ذاهب يا أبي ؟
فقال: لجهاد المجرمين ونصرة المظلومين.
وتجشموا المصاعب و المتاعب, وربما استدان, وأتى .
هل أتى إلى الفندق !!!
أتى إلى جبلٍ أو إلى حفرةٍ من الحفر, ويجلس في مكانه بين الحر والقر.
هل راتبه بالدولار !!!
لا, راتبه وجزاؤه عند الله سبحانه وتعالى, هذا الذي يبتغيه, يريد الرباط, وربما كان له أملٌ أكبر يريد الشهادة, يريد نصرة دين الله, يريد دحض الباطل.
يريد الذود عن قلعة المسلمين.
دماج يعتدى عليها !
دماج حفاظ القرآن يحاصرون ويقتلون!!!
ما ذنبهم!!!
دماج لها أربعون سنة تعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, لم يحصل منها إلا النفع للإسلام والمسلمين, ثم ينقض الأرفاض من هنا ومن هنا يحاصرونهم ويجوعونهم ويصبون عليهم الرصاص!!!
بأي حق!!!
هذه جعلت في قلوبهم غاية الحرارة, وغاية القوة؛ حتى إِنّ بعضهم لا يرتاح أن يأكل طعامًا ولا يشرب شراباً حتى يطعم ويشرب إخوانه في دماج, وبعضهم يتمنى أن يكون بجانب إخوانه في دماج .
هؤلاء والله يستحقون عظيم الشكر بعد شكر الله عز وجل, فهنيئا لهم ولأمثالهم, هنيئا لهم أجمعين.
فجزاهم الله خيرًا عنا وعن هذه الدار وعن هذا الخير وعن هذه السنة وعن هذه النعمة المسداة للمسلمين خير الجزاء.
وكان خلاصة ما دار هنا أنه سعى الحوثيون سعيًا حيثيًا إلى الصلح, كما هو شأنهم إذا فشلوا.
سعوا في طلب الصلح في جهة المشرق عند إخواننا في جبهة كتاف, فكان أنهم أعطوا الواسطة كلمة واحدة, قالوا: إن كان يريد الحوثي أن نكون مواطنين جميعًا, نحن مواطنون وهم مواطنون أجرينا الصلح معهم, وإن كان دولة علينا فما معنا لهم جواب.
فأُخبِرنا أَنَّ الحوثيين ردوا لهم الجواب: نعم نحن وأنتم مواطنون !!!
فأرسل لهم إخواننا لهم ورقة فيها عِدة نقاط عدل وإنصاف.
والله لو عرضتها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة, ما وجدتها تتعارض مع حرف واحد, وهذا نصها:
ما يجري عليه الصلح بين أهل السنة والقبائل الموالين لهم وبين الحوثيين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه,
أما بعد:
فما يجري عليه الصلح بمشيئة الله تعالى بين أهل السنة والقبائل الموالين لهم وبين الحوثيين:
1- عدم الاعتداء أو الإيذاء أو التفتيش أو الاعتراض على أهل السنة, وأن يعيش الجميع الحوثيون وأهل السنة جميعًا مواطنين، وترفع نقاط الحوثيين التي على أهل السنة والقبائل الموالين لهم، ليس لأحد من الفئتين سبيل و لا نقاط ولا اعتراض على الآخر.
2- عدم اعتداء الحوثيين على مساجد أهل السنة وسائر ما يخصهم, كما على أهل السنة عدم الاعتداء على مساجد الحوثيين وما يخصهم.
3- رد المنهوبات التي عند الرافضة كلها.
4- تحمل القتلى والجرحى الذين من أهل السنة لكون الحوثيين هم المعتدون.
5- ويوم يحصل اعتداء أو إيذاء أو تفتيش أو اعتراض: من الحوثيين على أهل السنة والقبائل الموالين لهم، أو من أهل السنة على الحوثيين؛ فإن المعتدي أو المعترض أو المؤذي هو الناقض للصلح, ويتحمل عواقب ذلك كلها عند الله عز وجل وعند الواسطة المذكورين وسائر عباد الله المؤمنين.
وبالله التوفيق