فأجاب رحمه الله تعالى:
الحقيقة أنه لا يصعب لكن يصعب على الهمم دون الأجسام، كثيرٌ من الناس الآن يريد أن يريح نفسه حتى أنه مع الأسف برزت ظاهرة وهي أنهم يدعون الناس إلى إعطائهم الدراهم ليضحوا بها في بلاد أخرى وهذا غلط محض والدعوة إلى ذلك تؤدي إلى إبطال الفائدة من الأضحية؛ لأن المقصود من الأضحية ومن أعظم المقاصد أن يتعبد الإنسان لله تعالى بذبحها بنفسه أو بحضوره إذا لم يكن يحسن الذبح، وبأن يذكر اسم الله عليها وهذا لا يحصل إذا أعطى الدراهم تذبح في مكان آخر أيضا إظهار الشعيرة بين الأهل والأولاد وهذه الأضحية يتناقلها الصغار عن الكبار حتى إنه ليفرح الصبيان إذا كانت الضحايا في البيت في ليلة العيد أو قبل ذبحها فيما بعد، ثم إن هذا حرمان لأهل البلد أهل البلد يحتاجون إلى لحم فقرائهم وأغنيائهم فيحرمون منها ثم إن هذا مخالف لأمر الله عز وجل حيث قال تبارك وتعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) ولا يمكن أن يأكل منها وهي بعيدة عنه ومن أجل تحقيق الأكل منها (أمر النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع حين نحرت إبله فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أهدى مائة ناقة) عليه الصلاة والسلام لكرمه مائة ناقة عن سبعمائة خروف أهدى مائة ناقة ونحر منها بيده الكريمة ثلاثاً وستين ناقه وأعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه الباقي فنحره ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤخذ من كل بعير قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها تحقيقا لأمر الله عز وجل (فَكُلُوا مِنْهَا) وكيف يأكل الإنسان من أضحية تبعد عنه أميالا ومسافات بعيدة ثم إن هذه الدراهم التي تعطيها من تعطيها من الذين يجمعون هل تدري أتقع في يد أمين عالم عارف بأحكام الأضحية أم تقع في يد من ليس كذلك؟ لا ندري قد يذبحها بدون تسمية؟ قد يذبحها ولا ينهر الدم؟ قد يعطيها الأغنياء دون الفقراء؟ قد يذبح ما لم تبلغ السن؟ قد يذبح ما فيه عيب؟ متى نطمئن إلى أن الذي تولى الذبح كان أمينا عالماً بأحكام الأضحية وعالماً بما يضحي به وما لا يضحي به ثم هل نأمن أن يتهاون هذا فيؤخر الذبح عن وقته؟ لا سيما إذا كثرت الذبائح عنده افرض أن هذه الجهة أتاها ألف شاة وليس عندهم من يباشر الذبح إلا نفر قليل لا يتمكنون من ذبحها في أيام الذبح فيضطرون إلى تأخير الذبح إلى فوات الوقت إذاً نقول يا أخي المسلم إذا كنت تريد أن تبر إخوانك الفقراء في بلاد أخرى فأرسل لهم دراهم أرسل لهم قوتاً أرسل لهم ثياباً أرسل لهم فرشاً أما أضحية جعلها الله تعالى شعاراً وخصك بها في بلادك حتى تشارك أهل الحج في شيء من النسك فلا تفرط في هذه الخصيصة والشعيرة العظيمة وترسل دراهم مضمونه في أجواف الجيوب وحفاظات الدراهم فنصيحتي لإخواني الذين يجبون هذه الأضاحي أن يكفوا عن ذلك وألا يدعوا الناس لهذا نعم يدعونهم إلى التبرع بالمال والأعيان لا بأس لكن يدعونهم إلى إبطال شعيرة في بلادهم لتنقل إلى بلاد بعيدة مع الاحتمالات التي ذكرناها أخشى عليهم ولذلك أنصحهم أعني إخواني الذين يجمعون التبرعات لهذا أن يكفوا عن ذلك ثم أنصح الإخوان المواطنين عن إعطاء هؤلاء للأضحية وأقول ضحوا في بلادكم ضحوا في مكانكم ثم إني أيضا أنصح إخواني الذين يضحون في بلادهم أن يضحوا في بيوتهم عند أولادهم حتى تظهر الشعيرة دون أن يذبحوها في المسلخ ويأتوا بها لحماً ولا يخلو البيت الآن والحمد لله من مكان للذبح بل لو ذبحت في وسط الحمام فلا بأس لأن الدم نجس ولو اختلط بالنجاسة لا يضر الدم دم المذبوح نجس فيذبحها حتى يفرغ الدم النجس ثم يخرجها ويسلخها في مكان آخر إذا لم يكن له مكان للذبح والسلخ على أن كثيرا من المدن الكبيرة فيها استراحات للناس بإمكانهم أن يخرجوا بالأضاحي إلى الاستراحات ويخرجوا بالصبيان معهم إذا شاءوا أن يتفرج الصبيان على الأضحية ويذبحون هناك ويدخلون بها إلى البيت لحما المهم التوجيه إلى الذين يجمعون التبرعات لهذا الغرض أن يكفوا عن هذا والتوجيه للآخرين ألا يعطوهم شيئا لهذا الغرض وأن يضحوا في بيوتهم وأن يشعروا أن المراد بالأضاحي والهدايا هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها وذكر اسمه عليها جل وعلا دونما يحصل منها من مادة وهي الأكل واستمع إلى قول الله تعالى (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) هذه نصيحة أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه وأن ينفع بها عباده إنه على كل شيء قدير.
***
♦ انظر: "فتاوى نور على الدرب" (8/ 353: 355).