الجواب♦: الحمد لله، إقامة الموالد وذكريات الأيام والاحداث والوقائع مما شرعه النصارى واليهود، وقد نهينا عن أعياد أهل الكتاب والأعاجم، لما في ذلك من الابتداع ومشابهة الكفار.
وسائر ما استحدث من الأعياد والمواسم منكر مستكره، حتى وإن لم تكن فيه مشابهة لأهل الكتاب والأعاجم، لدخوله في مسمى البدع والمحدثات، حتى ولو كانت إقامتها لذكرى "مولد الرسول صلى الله عليه وسلم" ذلك لأن الأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ماشرعه الله تعالى.
والأصل إنما قام على اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم مالم يحرمه، ومن هنا بنى الأئمة انقسام الأعمال إلى عبادات تتخذ ديناً وعادات ينتفع بها، والأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره.
والمواسم المحدثة إنما استكرهت وأنكرت ونهى عنها لما يحدث فيها مما يتقرب به كدين، ولدخولها في مسمى البدع والمحدثات.
وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خطب يقول: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة "، وروى مسلم كذلك في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي حديث صحيح من رواية أهل السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ".
وكما أن هذه القاعدة مدلول السنة ومدلول الإجماع فهي كذلك مدلول كتاب الله تعالى، قال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) (1) فمن ندب إلى شيء يتقرب به أو أوجبه بقول أو فعل من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكاً لله فيما أوجبه عليه من طاعة، ومن أطاع أحداً في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من الإثم ما يلحق الآمر الناهي، أخذاً من قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم) الآية (2) وقد أثر في تفسيرها أن عدي بن حاتم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما عبدوهم قال: " ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ".
هذا والذهاب إلى انقسام البدع والمحدثات إلى حسن وقبيح أخذاً من قول عمر في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه.
واستدلالاً بما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال مما استحسن ولم يستكره أخذاً من الأدلة الدالة عليه من الإجماع والقياس ـ الذهاب إلى ذلك مدفوع بإطلاق نص رسول الله صلى الله عليه وسلم " وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".
فلا يحل لأحد أن يقيد إطلاق دلالة هذا النص، والمنازع في ذلك مراغم على أنه يقال: ما ثبت حسنه فليس من البدع، فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه، أو يقال: ما ثبت حسنه مخصوص من هذا العموم، فيبقى فيما عداه على عمومه، والمخصص إنما هو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً، لا عادات بعض البلاد ولا الأقوال ولا الآراء مهما كثر أصحابها، فإن شيئاً من ذلك لا ينهض أبداً، ولا يصلح معارضاً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فتخصيص يوم من الأيام وتمييزه على غيره بشيء من الطاعات أمر توقيفي إنما يصار في معرفته إلى الشريعة المطهرة، ولم تخصص الشريعة يوماً من الأيام باتخاذه عيداً للإسلام سوى يومي العيدين عيد الفطر وعيد النحر وما يتبعه من أيام التشريق الثلاثة، وسوى العيد النسبي وهو يوم الجمعة، فإنه عيد الأسبوع فليس للمسلمين أن يتخذوا عيداً سواها.
على أن الوقائع المتعددة وأبرزها " الهجرة" و " الفتح " لم تتخذ أعياداً فاتخاذ الذكريات والموالد أعياداً حدث في الإسلام منكر مستكره لم يشرعه الله وليس من دين الحق في شيء، ولو كانت إقامتها خيراً محضاً أو راجحاً لسارع إليها السلف الصالح، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير أخذاً به وسبقاً إليه.
ولو كانت إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم من أعلام حبه أو تعظيمه لأقاموها، فإنهم كانوا أعلم الناس بما يصلح له صلى الله عليه وسلم، ومن أشدهم تعظيماً له وحباً فيه، ولو كانت خيراً لسبقونا إليها، لكنه لم يؤثر شيء من ذلك أصلاً عن أحد من خلفائه أو صحابته أو أئمة آله المرضيين المهديين، وإنما الذي أثر عنهم هو ما عرفوه من الحق من محبته وتعظيمه وهو متابعته وطاعته وإحياء سنته ونشر ما بعث به، وهذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
_________
(♦) انظر: "فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ" (3/ 48: 51).
(1) سورة الشورى ـ 31
(2) سورة التوبة ـ آية 21